lundi 4 juillet 2022

قراءة انطباعية في مجموعة قصصية "الوجه الاخر للمدينة.

 قراءة انطباعية في مجموعة قصصية.

 

 
الوجه الآخر للمدينة للكاتب القدير روان علي شريف.
 
 
لا يمكن لأيّ عين أخرى أن ترصد الوجه الآخر للمدينة غير عين الكاتب الدّقيقة التي تسلّط الضّوء على انكسارات كثيرة تحدث وراء جدران وأزقّة وواجهات المدينة الصّامتة التي استطاع أن يفجّرها بتصوير دقيق ، ويشرّح جثمانها الذي ينبض داخل عروق النّاس .
المدينة لها أكثر من وجه توارى خلف الضّباب ، ولكنّ اللغة السّمحة ، والأسلوب الدّقيق في انتقاء نماذج بشرية تمثّل الوجه الآخر للمدينة التي تبتلع صغارها وتندم على ذلك ، مدينة يطفو على حوافها الجرح كالأشياء البالية ، مدينة تخرج من أصابع الكاتب ووجدانه فترسم صورة وطن يحمل رزمة من العواطف تتناثر بشكل متناسق بين النّصوص .
الوطن هو المرأة ، الشّاب الذي يحفر الصّخر ليحلم ، الأمّ التي فقدت صغيرها في ظروف سياسية حرجة ، الحبّ الذي لا يكتمل ويجعلنا نبقى ناقصين ، الحاجة التي تقضي على الأمل ، الموت الذي يخطف الضّعفاء في صمت ، القوة التي يمسكها البعض و تلفّنا بالملح والغضب ، المظلوم الذي يزجّ وراء القضبان ويبقى تاريخه كالندبة ، اليتم الذي يبقى معلّقا في الأحضان ، أصوات النّاس التي لا يسمعها سوى القلة ، هذا المزيج من الشّخصيات التي تؤدّي أدوارا لتقول في الأخير شيئا ، تتحرّك بخفّة بين الأحداث لتلقي حكمتها وتمضي .
عناوين مستفزّة تجعل القارئ في استعداد دائم لالتقاط المعنى من اللّفظ ، والفهم من الصّورة ، واستقراء الواقع من خلال تحرّكات الشّخصيات التي تشبهنا كثيرا في مصائرها ، ونحسّ بوجودنا بين معاناتها ، ونستلهم منها الغضب أحيانا ، والشّفقة أحيانا أخرى لأنّها في الأخير تعبّر عن رؤى مدينة كاملة مرّ عليها الزّمن وترك آثاره العميقة فيها .
الوجه الآخر للمدينة يبقى وجها يجمع بين النّقيضين بين الحلم واليأس ، بين المعاناة والأمل ، بين الموت والبقاء ، بين الحاجة والسّلطة ، بين الضّعيف والقويّ ، بين الحبّ والكراهية ، بين الصّدق والخذلان ، بين الذّاكرة والنّسيان ، بين المدينة والوطن ، بين الوطن والكاتب الذي لا يزال متؤثّرا بجراح قديمة لا يزال التّاريخ الإنسانيّ يستفزّها لتخرج بهذا الشّكل الأنيق .
الوجه الآخر للمدينة هو وجه الكاتب التي انسحبت بين السّطور ولا تكاد تقبض عليها لحنكتها في تدوير الأحداث والعواطف ، الوجه الآخر للمدينة هو الزّمن القديم الذي نشتاق إليه بأحزانه وأفراحه ، بعاداته وتحوّلاته ، بتغيّراته وفاقته ، بصعوبته و مقاومته ، الوجه الأخر للمدينة هو وجهنا الذي تعرّفنا عليه من خلال انعكاسات الأحداث الورقية علينا ، فكم أحسسنا أنّ المدينة هي نحن جميعا ، هي الوطن الذي يظهر على شكل بشر عاشوا الحياة وتركوا بصمات عليها .
صراع جميل بين البقاء والموت ، بين الاختيار والإجبار ، بين صوت الظّروف وصمت القلب تموت أشياء كثيرة داخل الشخصيات وتبقى كالجحيم مفتوحة على ذكريات الكاتب وواقع الأقدار ، كلّها تختصر معاناة الضّعفاء الذين يذهب أغلبهم قربانا للرّفض والاستنكار من أجل تغيير واقع مرّ ، فتموت الأصوات المبحوحة التي تنادي بالأمل ويبقى وجه المدينة كما هو منتصبا كتمثال تحرّكه الأيادي الخفية .
حكاية جميلة عن العطاء رغم الحاجة ، الشّفقة على من أبكتهم الأيام وسكنوا شوارعها ، الأمل الذي يتفجّر من الوجع ويظلّ مستمرا ، الحياة التي تستمرّ رغم تقلّبات الجوّ .
 
خديجة ادريس.